سعيد بن هبة الله بن الحسين البغدادي المعروف بالعشاب الطبيب الصيدلي. ولد العشاب ببغداد وعاش بها إلى أن توفى عن عمر بلغ ستة وخمسين عاما.
تتلمذ في صباه وشبابه على يد عبدان الكاتب، وعلى أبي كيفات، وعلى يد الطبيب ابن التلميذ بالبيمارستان العضدي ، وأخلص في تعلم الطب والصيدلة ودراسة الفلسفة وصار طبيبا بالبيمارستان العضدي، وصار له تلاميذ درسوا الطب على يده ومن بينهم: الطبيب الفيلسوف ابن ملكا البغدادي .
وقد خدم العشاب المرضى بالعلاج والمتابعة إلى حد الشفاء وفي الوقت نفسه صار طبيبا للخليفة العباسي المقتدي بالله (467هـ -487هـ / 1074 -1094م) ثم خدم ابنه الخليفة العباسي المستظهر بالله، وقد عرف بدقته وأمانته العلمية وروحه المرحة وحب الغير والتفاني في علاج المرضى.
وخلال حياته كطبيب ألف كتبا كثيرة طبية ومنطقية وفلسفية كما ألف كتبا في الصيدلة، فالصيدلة والطب كانا إلى زمانه قرنين متلازمين، وقد أشرف العشاب على علاج المرضى النفسيين في البيمارستان العضدي، وكان معروفا عنه أنه حينما يصف الدواء لمرضاه يشرح لهم نوع الدواء وأهميته، وكان يهتم خاصة بقسم الممرورين ، وكان العشاب محبوبا بين مرضاه فلا يكفوا عن مناوشته، وكان يتقبل آراءهم ومناوشاتهم بصدر رحب.
ويروى عن العشاب أنه كان يوما في البيمارستان العضدي بقاعة المكتئبين يتفقد أحوالهم ويتابع تنفيذ مساعديه لعلاجهم، وتقدمت نحوه امرأة وراحت تصف له أعراض مرض أصاب ولدا لها فنصحها العشاب أن تعالجه بالأدوية المبردة وسمعه أحد المرضى بالقاعة، فلم يتردد في السخرية منه: هذه وصفة يصلح أن تقولها لأحد تلاميذك الذين يعرفون أشياء عن قوانين العلاج أما هذه المرأة فأي شيء تعرفه عما تقوله لها عن الأدوية المرطبة والسبيل إلى أن تفهم هذه المرأة عنك أن تصف لها عقارا معينا باسمه تعرفه وتعتمد عليه في علاج ولدها، ولم يكد يدرك صحة قول المريض حتى عاجله المريض بقوله: وإنك قد فعلت ما هو أعجب منه فسأله العشاب عما يقصده، فقال له المريض: إنك أيها الطبيب صنفت كتابا مختصرا في الطب أسميته المغني. أليس كذلك؟فقال العشاب: نعم. فقال له المريض: ثم إنك صنفت كتابا آخر في الطب بسيطا كما قلت وأسميته الإقناع على حين أنه يبلغ أضعاف كتاب المغني في الطب، وكان الوا جب أن يكون الأمر على خلاف ما فعلته في تسميتك للكتابين. وعندئذ ضحك العشاب وقال لمَن حوله: والله لو أمكنني لبدلت اسم كل واحد بالآخر، ولكن الناس قد تناقلوا الكتابين وعرف عندهم كل واحد باسمه ولم يعد لي سبيل إلى تغييره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق